الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (27- 30): {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}{القول الثابت في الحياة الدنيا}، كلمة الإخلاص والنجاة من النار: لا إله إلا الله، والإقرار بالنبوة.وهذه الآية تعم العالم من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، وقال طاوس وقتادة وجمهور العلماء: {الحياة الدنيا} هي مدة حياة الإنسان. {وفي الآخرة} هي وقت سؤاله في قبره. وقال البراء بن عازب وجماعة {في الحياة الدنيا} هي وقت سؤاله في قبره-ورواه البراء عن النبي عليه السلام في لفظ متأول.قال القاضي أبو محمد: ووجه القول لأن ذلك في مدة وجود الدنيا.وقوله: {في الآخرة} هو يوم القيامة عند العرض.قال القاضي أبو محمد: والأول أحسن، ورجحه الطبري.و{الظالمين} في هذه الآية، الكافرين، بدليل أنه عادل بهم المؤمنين، وعادل التثبيت بالإضلال، وقوله: {ويفعل الله ما يشاء} تقرير لهذا التقسيم المتقدم، كأن امرأً رأى التقسيم فطلب في نفسه علته، فقيل له: {ويفعل الله ما يشاء} بحق الملك.وفي هذه الآية رد على القدرية.وذكر الطبري في صفة مساءلة العبد في قبره أحاديث، منها ما وقع في الصحيح. وهي من عقائد الدين، وأنكرت ذلك المعتزلة. ولم تقل بأن العبد يسال في قبره، وجماعة السنة تقول: إن الله يخلق له في قبره إدراكات وتحصيلاً، إما بحياة كالمتعارفة، وإما بحضور النفس وإن لم تتلبس بالجسد كالعرف، كل هذا جائز في قدرة الله تعالى، غير أن في الأحاديث: «إنه يسمع خفق النعال»، ومنها: «إنه يرى الضوء كأن الشمس دنت للغروب»، وفيها: «إنه ليراجع»، وفيها: «فيعاد روحه إلى جسده»، وهذا كله يتضمن الحياة- فسبحان رب هذه القدرة.وقوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً} الآية، هذا تنبيه على مثال من ظالمين أضلوا، والتقدير: بدلوا شكر نعمة الله كفراً، وهذا كقوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82].و{نعمة الله} المشار إليها في هذه الآية هو محمد عليه السلام ودينه، أنعم الله به على قريش، فكفروا النعمة ولم يقبلوها، وتبدلوا بها الكفر.والمراد ب {الذين} كفرة قريش جملة- هذا بحسب ما اشتهر من حالهم- وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين. وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب: أنها نزلت في الأفجرين من قريش: بني مخزوم وبني أمية. قال عمر: فأما بنو المغيرة فكفوا يوم بدر. وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وقال ابن عباس: هذه الآية في جبلة بن الأيهم.قال القاضي أبو محمد: ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت لأن نزول الآية قبل قصته، وإنما أراد أنها تحصر من فعل جبلة إلى يوم القيامة.وقوله: {وأحلوا قومهم} أي من أطاعهم، وكان معهم في التبديل، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام، و{البوار} الهلاك، ومنه قول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.قال الطبري: وقال هو وغيره: إنه يروى لابن الزبعرى، ويحتمل أن يريد ب {البوار}: الهلاك في الآخرة ففسره حينئذ بقوله: {جهنم يصلونها}، يحترقون في حرها ويحتملونه، ويحتمل أن يريد ب {البوار}: الهلاك في الدنيا بالقتل والخزي فتكون الدار قليب بدر ونحوه. وقال عطاء: نزلت هذه الآية في قتلى بدر.قال القاضي أبو محمد: فيكون قوله: {جهنم} نصباً، على حد قولك: زيداً ضربته، بإضمار فعل يقتضيه الظاهر.و{القرار}: موضع استقرار الإنسان، و{أنداداً} جمع ند وهو المثيل والمشبه المناوئ والمراد الأصنام.واللام في قوله: {ليضلوا}- بضم الياء- لام كي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {ليَضلوا} بفتح الياء- أي هم أنفسهم- فاللام- على هذا- لام عاقبة وصيرورة وقرأ الباقون {ليُضلوا}- بضم الياء- أي غيرهم.وأمرهم بالتمتع هو وعيد وتهديد على حد قوله: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] وغيره. .تفسير الآيات (31- 34): {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}العباد: جمع عبد، وعرفه في التكرمة بخلاف العبيد. وقوله: {يقيموا} قالت فرقة من النحويين: جزمه بإضمار لام الأمر على حد قول الشاعر: [الوافر]أنشده سيبويه- إلا أنه قال: إن هذا لا يجوز إلا في شعر. وقالت فرقة: أبو علي وغيره- هو فعل مضارع بني لما كان في معنى فعل الأمر، لأن المراد: أقيموا، وهذا كما بني الاسم المتمكن في النداء في قولك: يا زيد لما شبه بقبل وبعد، وقال سيبويه: هو جواب شرط مقدر يتضمنه صدر الآية، تقديره: إن تقل لهم أقيموا يقيموا.قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله: {قل}، وذلك أن يجعل {قل} في هذه الآية بمعنى: بلغ وأد الشيعة يقيموا الصلاة، وهذا كله على أن المقول هو: الأمر بالإقامة والإنفاق. وقيل إن المقول هو: الآية التي بعد، أعني قوله: {الله الذي خلق السماوات}.والسر: صدقة التنقل، والعلانية المفروضة- وهذا هو مقتضى الأحاديث- وفسر ابن عباس هذه الآية بزكاة الأموال مجملاً، وكذلك فسر الصلاة بأنها الخمس- وهذا منه- عندي- تقريب للمخاطب.و{خلال} مصدر من خلل: إذا واد وصافى، ومنه الخلة والخليل وقال امرؤ القيس: [الطويل] وقال الأخفش: الخلال جمع خلة.وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر: {لا بيع ولا خلال} بالرفع على إلغاء {لا} وقرأ أبو عمرو والحسن وابن كثير: {ولا بيعَ ولا خلالَ} بالنصب على التبرية، وقد تقدم هذا. والمراد بهذا اليوم يوم القيامة.وقوله تعالى: {الله الذي خلق السماوات} الآية، تذكير بآلاء الله، وتنبيه على قدرته التي فيها إحسان إلى البشر لتقوم الحجة من جهتين.و{الله} مبتدأ، و{الذي} خبره. ومن أخبر بهذه الجملة وتقررت في نفسه آمن وصلى وأنفق. و{السماوات} هي الأرقعة السبعة والسماء في قوله، {وأنزل من السماء} [البقرة: 22] السحاب.وقوله: {من الثمرات} يجوز أن تكون {من} للتبعيض، فيكون المراد بعض جني الأشجار، ويسقط ما كان منها سماً أو مجرداً للمضرات، ويجوز أن تكون {من} لبيان الجنس، كأنه قال: فأخرج به رزقاً لكم من الثمرات، وقال بعض الناس: {من} زائدة-وهذا لا يجوز عند سيبويه لكونها في الواجب ويجوز عند الأخفش.و{الفلك} جمع فلك- وقد تقدم القول فيه مراراً- وقوله: {بأمره} مصدر من أمر يأمر، وهذا راجع إلى الكلام القائم بالذات، كقول الله تعالى للبحار والأرض وسائر الأشياء، كن- عند الإيجاد- إنما معناه: كن بحال كذا وعلى وتيرة كذا، وفي هذا يندرج جريان الفلك وغيره.وفي تسخير الفلك ينطوي تسخير البحر وتسخير الرياح، وأما تسخير الأنهار فتفجرها في كل بلد، وانقيادها للسقي وسائر المنافع. و{دائبين} معناه: متماديين ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الجمل الذي بكى وأجهش عليه: «إن هذا الجمل شكى إلي أنك تجيعه وتديبه»، أي تديمه في الخدمة والعمل- وظاهر الآية أن معناه: دائبين في الطلوع والغروب وما بينهما من المنافع للناس التي لا تحصى كثرة. وحكى الطبري عن مقاتل بن حيان يرفع إلى ابن عباس أنه قال: معناه: دائبين في طاعة الله- وهذا قول إن كان يراد به- أن الطاعة انقياد منهما في التسخير، فذلك موجود في قوله: {سخر} وإن كان يراد أنها طاعة مقصودة كطاعة العبادة من البشر، فهذا جيد، والله أعلم.وقوله: {وآتاكم} للجنس من البشر، أي إن الإنسان بجملته قد أوتي من كل ما شأنه أن يسأل وينتفع به، ولا يطرد هذا في واحد من الناس وإنما تفرقت هذه النعم في البشر، فيقال-بحسب هذا- للجميع أُوتيتم كذا- على جهة التعديد للنعمة- وقيل المعنى: {وآتاكم من كل ما سألتموه} أن لو سألتموه.قال القاضي أبو محمد: وهذا قريب من الأول.و{ما} في قوله: {ما سألتموه} يصح أن تكون مصدرية، ويكون الضمير في قوله: {سألتموه} عائداً على الله تعالى: ويصح أن يكون {ما} بمعنى الذي، ويكون الضمير عائداً على الذي.وقرأ الضحاك بن مزاحم {من كلٍّ ما سألتموه} بتنوين {كل} وهي قراءة الحسن وقتادة وسلام، ورويت عن نافع، المعنى: وآتاكم من كل هذه المخلوقات المذكورات قبل. ما من شأنه أن يسأل لمعنى الانتفاع به. ف {ما} في قوله: {ما سألتموه} مفعول ثان ب {آتاكم} وقال بعض الناس: {ما} نافية على هذه القراءة أي أعطاكم من كل شيء لم يعرض له.قال القاضي أبو محمد: وهذا تفسير الضحاك. وأما القراءة الأولى بإضافة {كل} إلى {ما}- فلابد من تقدير المفعول الثاني جزءاً أو شيئاً ونحو هذا.وقوله: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} أي لكثرتها وعظمها في الحواس والقوى والإيجاد بعد العدم والهداية للإيمان وغير ذلك. وقال طلق بن حبيب: إن حق الله تعالى أثقل من أن يقوم به العباد، ونعمه أكثر من أن يحصيها العباد. ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين وقال أبو الدرداء: من لم ير نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه.وقوله: {إن الإنسان} يريد به النوع والجنس المعنى: توجد فيه هذه الخلال وهي الظلم والكفر، فإن كانت هذه الخلال من جاحد فهي بصفة وإن كانت من عاص فهي بصفة أخرى. .تفسير الآيات (35- 37): {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}المعنى: واذكر إذ قال إبراهيم، و{البلد}: مكة، و{آمناً} معناه فيه أمن، فوصفه بالأمن تجوزاً- كما قال: {في يوم عاصف} [إبراهيم: 18]، وكما قال الشاعر:{واجنبني} معناه: وامنعني، يقال: جنبه كذا وجنبه وأجنبه: إذا منعه من الأمر وحماه منه.وقرأ الجحدري والثقفي {وأجنِبني} بقطع الألف وكسر النون.وأراد إبراهيم بني صلبه، وكذلك أجيبت دعوته فيهم، وأما باقي نسله فعبدوا الأصنام، وهذا الدعاء من الخليل عليه السلام يقتضي إفراط خوفه على نفسه ومن حصل في رتبته، فكيف يخاف أن يعبد صنماً؟! لكن هذه الآية ينبغي أن يقتدى بها في الخوف وطلب الخاتمة.و{الأصنام} هي المنحوتة على خلقة البشر، وما كان منحوتاً على غير خلقة البشر فهي أوثان، قاله الطبري عن مجاهد.ونسب إلى الأصنام أنها أضلت كثيراً من الناس- تجوز- إذ كانت عرضة الإضلال، والأسباب المنصوبة للغيّ، وعليها تنشأ الأغيار، وحقيقة الإضلال إنما هي لمخترعه، وقيل: أراد الأصنام هنا الدنانير والدراهم.وقوله: {ومن عصاني} ظاهره بالكفر، بمعادلة قوله: {فمن تبعني فإنه مني}، وإذا كان ذلك كذلك فقوله: {فإنك غفور رحيم} معناه: بتوبتك على الكفرة حتى يؤمنوا، لا أنه أراد أن الله يغفر لكافر، لكنه حمله على هذه العبارة ما كان يأخذ نفسه به من القول الجميل والنطق الحسن وجميل الأدب- صلى الله عليه وسلم- قال قتادة: اسمعوا قول الخليل صلى الله عليه وسلم، والله ما كانوا طعانين ولا لعانين، وكذلك قال نبي الله عيسى {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118] وأسند الطبري عن عبد الله بن عمر حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: تلا هاتين الآيتين ثم دعا لأمته، فبشر فيهم وكان إبراهيم التيمي يقول: من يأمن على نفسه بعد خوف إبراهيم الخليل على نفسه من عبادة الأصنام؟.وقوله: {ومن ذريتي} يريد: إسماعيل عليه السلام، وذلك أن سارة لما غارت بهاجر- بعد أن ولدت إسماعيل- تعذب إبراهيم عليه السلام، بهما، فروي أنه ركب البراق وهو وهاجر والطفل- فجاء في يوم واحد من الشام إلى بطن مكة، فنزل وترك ابنه وأمته هنالك، وركب منصرفاً من يومه ذلك، وكان هذا كله بوحي من الله تعالى فلما ولَّى دعا بمضمن هذه الآية، وأما كيفية بقاء هاجر وما صنعت وسائر خبر إسماعيل، ففي كتاب البخاري والسير وغيره.و{من} في قوله: {ومن ذريتي} للتبعيض، لأن إسحاق كان بالشام، والوادي: ما بين الجبلين، وليس من شروطه أن يكون فيه ماء.وهذه الآية تقتضي أن إبراهيم عليه السلام قد كان علم من الله تعالى أنه لا يضيع هاجر وابنها في ذلك الوادي، وأنه يرزقهما الماء، وإنما نظر النظر البعيد للعاقبة فقال: {غير ذي زرع}، ولو لم يعلم ذلك من الله لقال: غير ذي ماء على ما كانت عليه حال الوادي عند ذلك.وقوله: {عند بيتك المحرم} إما أن يكون البيت قد كان قديماً- على ما روي قبل الطوفان، وكان علمه عند إبراهيم- وإما أن يكون قالها لما كان قد أعلمه الله تعالى أنه سيبني هنالك بيتاً لله تعالى، فيكون محرماً. ومعنى {المحرم} على الجبابرة وأن تنتهك حرمته ويستخف بحقه- قاله قتادة وغيره.وجمعه الضمير في قوله: {ليقيموا} يدل على أن الله قد أعلمه أن ذلك الطفل سيعقب هنالك ويكون له نسل. واللام في قوله: {ليقيموا} هي لام كي هذا هو الظاهر فيها- على أنها متعلقة ب {أسكنت}، والنداء اعتراض، ويصح أن تكون لام أمر، كأن رغب إلى الله أن يوفقهم بإقامة الصلاة، ثم ساق عبارة ملزمة لهم إقامة الصلاة، وفي اللفظ على هذا التأويل بعض تجوز يربطه المعنى ويصلحه.و{أفئدة}: القلوب، جمع فؤاد. سمي بذلك لإنفاده، مأخوذ من فأد ومنه المفتاد، وهو مستوقد النار حيث يشوى اللحم.وقرأ ابن عامر بخلاف: {فاجعل أفئدة} بياء بعد الهمزة.وقوله: {من الناس} تبعيض، ومراده المؤمنون، قال مجاهد: لو قال إبراهيم: أفئدة الناس- لازدحمت على البيت فارس والروم. وقال سعيد بن جبير: لحجته اليهود والنصارى. و{تهوي} معناه: تسير بجد وقصد مستعجل، ومنه قول الشاعر [أبو كبير]: [الكامل] ومنه البيت المروي: [السريع] وقرأ مسلمة بن عبد الله: {تُهوي} بضم التاء، من أهوى، وهو الفعل المذكور معدى بالهمزة، وقرأ علي بن أبي طالب ومحمد بن علي ومجاهد {تَهوَى} بفتح التاء والواو. وتعدي هذا الفعل- وهو من الهوى- ب إلى، لما كان مقترناً بسير وقصد. وروي عن مسلم بن محمد الطائفي: أنه لما دعا عليه السلام بأن يرزق سكان مكة من الثمرات بعث الله جبريل فاقتلع بجناحه قطعة من أرض فلسطين- وقيل من الأردن- فجاء بها وطاف حول البيت بها سبعاً، ووضعها قريب مكة، فهي الطائف، وبهذه القصة سميت، وهي موضع ثقيف، وبها أشجار وثمرات وثم هي ركبة.
|